هل التمسك بالرأي يمنحك القوة؟


"ملاحظة بادئة: الحديث هنا عن الأراء الحياتية فقط، وليست المبادئ ولا الثوابت وليست شيئًا يمسّ بالأمور الشرعية، التفريق بين الأمرين ضرورة مُلحة"

تُثير عجبي واستغرابي الفكرة المجتمعية التي تتلخص في " لا تتغير"
أنك ستكون إنسانًا قويًا وناجحًا إذا عشت سنوات عديدة وخالطت فيها العديد من البشر بكافة اختلافاتهم، مررت بمحطات عديدة، تعلمت فيها الكثير، وواجهت الكثير، وجربت الكثير.. دون أن يتغير فيك شيء!
تنص هذه الفكرة في مجملها على ألا تغير آرائك ونظرتك تجاه الأشياء مهما كانت ضآلتها، وإلا فستتهم بالتناقض والجهل وضعف الشخصية! كما قد يلجأ البعض أحيانًا إلى تعليقها ببعض الكلمات التي تثير التعصب بين الأفراد، المقارنة بالآخرين والعديد من الأساليب العقيمة الأخرى..
الفكرة من أساسها مشوّهة للغاية، أن تعايش كل هذه الأشياء لمدة زمنية معينة وتبقى كما كنت.. فهذا يعني أنك قد تكون أي شيء في الحياة غير الإنسان الطبيعي! وليست سوى دلالة على مشكلة عويصة داخلك تمنعك من أن تمارس حياتك بالشكل الصحيح.
كأن تقرر أن تعيش تجربة من أي نوع وأنت تتمسك برأي قديم وقناعة موروثة تسلّمتها جاهزةً كما هي و ليس لك يد فيها ولا دور تفكيري ولا حتى فلسفة تجعلك تتمسك بها..
كونك تتعلم كل يوم شيء جديد في أي مجال في هذه الحياة وتحصل على مزيد من المعرفة، هذا شيء يُعرضك ويعرض عقلك وأفكارك إلى التغيير حتمًا، فإما أن تكتسب أفكارًا جديدة، وإما أن تكون هذه المعرفة مُعززة لقناعاتك السابقة التي تسلمتها كما هي، فتتحول من مجرد رأي موروث إلى قناعة حقيقية مُكتسبة من أعماقك، تناقشها كما تحب وتتحدث بها كما تحب، لأنها قناعتك.
فبالتالي، من الجهل وقلة الوعي أن تتوقع من نفسك أن تتقدم في الحياة والعمر والمعارف دون أن يتغير فيك شيء.. لن تقف في مكان واحدٍ أبدًا، لست جمادًا..
ستتقدم أكثر أو تتراجع إلى الوراء، أن تتغير يعني أن تكون إنسانًا
لو مرت ٥ سنوات من عمرك على سبيل المثال بنفس الأفكار والقناعات والأراء، فهذا يعني ضياع الخمس سنوات بأكملها إذ لم تتعلم فيها شيئًا!

هذا بالإضافة إلى كون الكثرة والقلّة لا تعني أي شيء، وليست مقياسًا أبدًا،  ولو كانت الأكثرية تعني الأحقية والصواب، لكانت المسيحية هي الديانة الحق باعتبارها الأكثر في العالم!
وقد ذم الله سبحانه وتعالى الأكثرية بالقران في مواضع عديدة:
"وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله"
"ولكن أكثر الناس لا يعلمون "
"ولكن أكثر الناس لا يشكرون"
"ولكن أكثر الناس لا يؤمنون"
ونجد كذلك أن الله سبحانه امتدح الأقلية في قوله:
"إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم "
"وقليل من عبادي الشكور"
فلا يوجّه الإنسان حياته وأخذه بالأراء حسب الأكثرية ويعلقها بها ويذم كل من يخالف الأمر أو يتمسك بقناعاته دون أن يتأثر بتغيرات المجتمع من حوله تحت مسمى: " كل الناس كذا!" و "خالف تعرف" !!!
أعتقد أن الأهم هنا هو التفريق بين الأرآء الحياتية والمبادئ المبنية على أُسس صحيحة، بين الأشياء التي سيتغير رأيك فيها بلا شك، والأشياء التي يجب ألا تنجرف باتجاهها باعتبار أن الأكثرية من حولك يفعلون الأمر نفسه..
الكثرة في أحيانٍ كثيرة لا تعني سوى أن هناك من سلّم عقله لغيره.
ثم إن كل ما حولنا يدعو إلى التفكر، الإنسان مطالب بأن يتأمل ويزيد وعيه بنفسه وألا يأخذ الأشياء على كونها ميراثاً فكرياً فحسب.
الإنسان القوي هو الذي يتمسك بمبدأه لأنه مقتنع به، وليس لكونه جزءًا من العادات والتقاليد أو فرضًا وإجبارًا من الأهل أو القبيلة أو المجتمع.. هذه القناعة التي تمنح المبادئ قوة حقيقية، لئلا تكون هشّة ضعيفة تسقطها أدنى هبة رياح، وتودي بها تقلبات الزمن.
" اهدنا الصراط المُستقيم "

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحياة الثانوية - تجربة ونصائح

ما وراء الصُدف

ثقافة الفضفضة