ثقافة الفضفضة






"ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة
يواسيك أو يسليك أو يتوجع"

الكثير من الانفعالات والضغوط النفسية اليومية التي تنفجر دفعة واحدة، يكون مسببها الأول: الكتمان
وفي أحوالٍ عدة، يتشكل سوء الفهم بسبب إنفجار أو ردة فعلٍ مُفاجئة وغير مبررة من أحدهم.. يحمل في داخله جبلًا من الضغوط المتراكمة التي تمنعه من التفكير بشكل صائب وسليم، ناهيك عن الأضرار الصحية الجسيمة التي يشكلها هذا الكتمان.
والحل الذي قد لا يرى جدواه وفاعليته الكثير هو الفضفضة، هذه التي اكتسبت قالبًا بخرافاتٍ معينة يتسبب في نفورِ البعض منه..
أتذكر الآن تلك التغريدات التي انتشرت كثيرًأ، وكان معناها عمومًا أننا نحتاج للحديث مع غريب لن نراه في حياتنا إلا مرة واحدة، ولن يسألنا مجددًا عما حدث، ولن يتذكرنا به، ولن يتشمّت بنا أو يستعمل كلامنا ضدنا..
وهذه التغريدات في نظري تلخص مشاكل (قالب الفضفضة) الموجود في مجتمعاتنا

" إذا ضاق صدر المرء عن سرِّ نفسه
فصدر الذي يستودع السرَّ أضيقُ"

أحد أكبر الحواجز ضد الفضفضة، أنها في نظر البعض تعني ذكر المشكلة بتفاصيلها، والواقع أنها لا تعدو كونها مشاعر ووجهة نظر تجاه المشكلة التي تحصل مثلًا، ولا معنى لكشف الأسرار تحت مسمى "الفضفضة".. عندما تستمع لأحدهم فأنت تنظر للأمر من منظوره هو، وليست نظرة عامة شاملة أبدًا
فبالتالي: لا يلزمك كمستمع أن تعرف تفاصيل الحدث وشخوصه وما دار بينهم وأن تكون مُلمًا بكل هذا.. ولا تعتقد أنه من تمام الراحة للمتحدث أن يخبرك بكل شيء، إذ لن يعود هذا عليه بفائدة، وقد لا يكون راغبًا بإخبارك عن شيء أصلًا، هو يريدك أن ترى الأمر من منظوره ومشاعره هو فقط..
إن أخذنا هذه المسألة بعين الاعتبار، فسنتخلص من أسباب عديدة للنفور عن الكلام والتنفيس، فلن يخاف المتحدث من أن تُقلب الطاولة عليه يومًا، ولن يراوده ندم "ما بعد الفضفضة".

وفي الحقيقة، الفضفضة ليست بالضرورة استشارة، عندما يتحدث أحدهم عمّا في قلبه فهو لا ينتظر استعراضًا للحلول الممكنة والغير ممكنة،  وربما في أحوال كثيرة يعرف هو كيف يتصرف، لكنه فقط يحتاج أذنًا صاغية وقلبًا واعيًا متفهمًا يشاركه الشعور.
اختيار الشخص المناسب أمر مهم بلا شك، لكن الهدف العام -لو ركزنا- من الفضفضة، هو أن يفرّغ الشخص مشاعره وينفس عنها ويعطي لنفسه مساحة كافية للتفكير المركز، وهذا ما لن يصل إليه إن كان مضغوطًا..
إذًا، هل الفضفضة في كل الأحوال تقتضي اتصالًا بالبشر؟
الجواب: لا.. وقبل كل الأساليب والتقنيات الحديثة التي تساعد الإنسان على التجاوز: التواصل مع ربّ البشر سبحانه..هو الذي لن تخرج منه خائبًا، إن جئته بيقينٍ بأنه هو الله الفعال القادر على كل شيء، وأن كل مافي الكون يتحرك تحت أمره وإرادته وتدبيره، وأن عافيتك، وصحتك، وألمك، وحزنك، وسعادتك، وإنشراح صدرك.. كلها بيده سبحانه، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأنه أعلم بما في صدرك دون أن تقول حرفًا واحدًا.
ولا ينافي هذا أن تفعل ما بوسعك لأن تخرج نفسك من هذه الدائرة الضيقة التي تؤذيك وتمنعك من أن تستمر بحياتك كما تريد.

"إذا تحدثت مع نفسك، فتأكد أنك تتحدث إلى انسان يفهمك"
لا أحد أعلم بالمرء من نفسه، ومواجهته لها بصدق وصراحة ووضح قد يكون حلًا ممتازًا لترتيب الأفكار وتنظيمها وقد ينتهي بإيجاد الكثير من الحلول والكثير من الأشياء التي لم يتنبه إليها في البداية، أيًا كانت الوسيلة، كأن تكون كتابة على الورق..

في النهاية: مهما تحدثت، ونفّست، واستشرت غيرك.. لن يتغيّر يا صديقي شيء إن لم تكن تلك قناعتك، لا يقدر على تغيير عالمك إلاك

*شكرًا للملهمة ريمان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحياة الثانوية - تجربة ونصائح

ما وراء الصُدف