أصواتنا الداخلية.

مرحباً..
من الأساليب الرائعة التي يمكن للإنسان أن يرى فيها نفسه عن كثب، يفهمها أكثر، ويقيّمها كما يجب، هو تمرين الصمت
والصمت هنا لا أقصد به السكوت الخارجي، مظهر صامت وبلا كلام.. الجميع يفعل هذا بلا شك
ولكنه الصمت عن الأصوات الداخلية، قد نكون أحياناً صامتين عن الكلام ولكن في عقولنا الكثير من الضجيج، قد نصمت عن الكلام ولكننا لا نصمت عن مشاعرنا، عن إنفعالاتنا، عن كل الأمور التي تجاوزناها ظاهرياً ولكنها لا تزال تصرخ في الداخل..
يذكرني الأمر بهذا الاقتباس: " الأرض صامتة وفي جوفها ألف بركان"
إننا مشغولون بالاستماع إلى كل أصوات العالم، ولكننا لم نفكر ولو مرة في أن نستمع لدواخلنا ونتحكم فيها بالشكل الصحيح.
أتحدث عن أفكارنا التي لا تتوقف حتى في في أوقات راحتنا. هذا النوع من الصمت يعتبر ضرورة مُلحّة.. لأننا وصلنا إلى مرحلة أن الإنسان لا يستمع إلى الطرف الآخر بالشكل الكافي، لا يدرك مقاصده، قد يُسيء فهمه أحياناً
والسبب في ذلك هو إنشغاله بأصواته الداخلية! مُنشغل بالتفكير في كل ما له صلة بالأمر، دون أن يفكر في الأمر نفسه! إنطباعاته السابقة، أرائه، غيرها من المُشتتات..
ولكن هذه الروابط على كل حال ليست شرطاً، قد يفكر حتى في أشياء بعيدة كل البعد عما يتحدّث به الطرف الآخر.. يُفكر ويُشغل عقله في كل شيء إلا الشيء الذي يُفترض أن يضع نفسه فيه!
إن هذا النوع من التفكير المستمر في كل شاردة وواردة يقتل حسّ التواصل وفهمنا للآخر.. لأننا مشغولون عنه، تماماً كما نفعل مع أنفسنا... نحن لا نفهم أنفسنا أحياناً للسبب نفسه.
قرأت مرةً عن دراسة تقول أن متوسط عدد الأفكار التي تمرّ على الإنسان داخل عقله في اليوم الواحد هي ٥٠٠٠ فكرة! يا ترى كيف سيتغيّر العالم لو أننا تبنينا ولو جزءاً بسيطاً من هذه الأفكار؟
ماذا سيحصل لو حصرناها وسيطرنا عليها؟ بلا شك ستكون قفزة عظيمة نحو الأفضل
لكن الخلل كله يكمن في العشوائية، التركيز والتحديق المُستمر في اللاشيء، إنشغال الإنسان كل يوم وكل ساعة بأشياء كثيرة جداً، وضياع الكثير من الجهد والوقت دون أن يصب كامل تركيزه في نقطة واحدة! والنتيجة بالطبع هي اللاشيء، التشتت هو مشكلتنا الأولى.

إن أعظم مايمكن أن نجنيه من صمتنا (الداخلي والخارجي) هو الطمأنينة، السكينة، الحكمة وتقييم الأمور بعقلانية، لأن الإنسان حينها يكون متجرداً من عواطفه، ومحايداً لا ينحاز لطرفٍ ما.
تماماً كما لو أخذ إستشارة من حكيمٍ لا تربطه علاقة بهذا الإنسان، حتماً سيُعطي رأياً سديداً وحكيماً وبلا تحيّز.. وهذا ما نحاول فعله مع ذواتنا وما نحاول الوصُول إليه.

في مسيرتي مع نمط الحياة التبسيطي minimalism كنت في كل مرّة تعتريني الدهشة أكثر وأكثر، كنت أشعر أن كل ما يمكن أن يُعطيني مساحة أكبر هو التخفف من الماديّات.. ولكنني أندهشت كثيراً (ولا أزال) من هذا العدد اللامحدود للأشياء اللامادية في حياتنا، لهذه المُشتتات التي تسرقنا منّا، نغوص داخلها حتى الغرق ثم ننسى أنفسنا، ننسى هذه الروح التي لم نحاول أن نتعمّق فيها ونخرج كنوزها ولو مرة.
إن آخر ما كنت أتوقع أن أطبق عليه هذا النمط التخففي، هو أفكاري..
لم أشعر يوماً بهذه الحاجة الملحّة للتخفف من الأفكار والتخفيف على العقل المسكين الذي يعمل صبح مساء وبلا توقف على مدار ٢٤ساعة!
أدركت مؤخراً أن هذا هو ما كان عليّ أن أبدأ به، هذه الأفكار العشوائية في كثير من الأحيان هي أول المشتتات التي تضّيع الفرص التي بين أيدينا وتُعمينا عنها دون أن نشعر، تُعمينا عن كل هذه الأمور التي تحدث كل يوم، تجعلنا نفكر في الشكليات والصغائر وننسى المضمون الأساسي.
أفكارنا التائهة في كل إتجاه هي أول مايجب علينا حصره والتخلص من الفائض منه لنعيش حياة أبسط، أعمق، مع الكثير من الأفكار الواضحة/ المحددة/ والقابلة للتطبيق، لنحوّلها بعد ذلك إلى إنجازات ومشاريع رائعة.
دمتم بحُب💛

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحياة الثانوية - تجربة ونصائح

ما وراء الصُدف

ثقافة الفضفضة